شريط متحرك بالعناوين

كلمة رئيس التحرير

على مدى ثلاثة عقود، أو يزيد، انخرطت في العمل مع المرجعيات الدينية الإسلامية من جميع دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وتحاورت مع العديد من العلماء الأفاضل الأجلاء، واستمعت عن قرب إلى آراء العديد منهم في مسائل وقضايا تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات المسلمة في عصرنا الحاضر. وعلى الجانب الآخر أتيحت لي الفرص العديدة للتفاعل بصورة مباشرة، وعن قرب مع رجال السياسة والفكر والتكنولوجيا والاقتصاد في مختلف دول العالم غير الإسلامي، وخرجت من كل تلك التجربة بخلاصة مفادها أن المجتمعات المسلمة أمام تحديات تتعلق بوجودها، وليس بمصالحها، وأن الأجيال القادمة تواجه تحديات لم تعرفها أجيالنا، أو الأجيال السابقة علينا، وأن جوهر هذه التحديات هو الحفاظ على الهوية الإسلامية من جانب، والالتزام بقيم الدين وأخلاقه وشرائعه من جانب آخر. وأن حالة الخطاب الديني بكل مكوناته الفقهية والوعظية والإفتائية الحالية من الصعب أن تقدم الإجابات التي تحقق هدف الحفاظ على الأجيال القادمة، أو المحافظة على مجتمعاتنا في ظل التحديات التي يفرضها عصر الفضاءات المفتوحة والذكاء الاصطناعي.
لذلك لابد من تجاوز عقبتين أساسيتين هما: أولا، أن المرجعيات الفقهية في العالم الإسلامي فيها من العقول التي تملك قدرات اجتهادية فائقة، وتعبر عن آراء تجديدية متميزة، ولكنها لا تجد المنصة التي تستطيع أن تتصدر لتقديم أفكار وآراء خارج الصندوق المغلق، الذي فرضته أوساط دينية شعبوية في أغلبها، جعلت العوام يتحكمون في عملية الاجتهاد، فيخاف العالم أن يخالف العامي فتثور منصات التواصل الاجتماعي عليه.
وثانيا: أن هناك شبه إهمال لفقه الواقع في مناهج تكوين المفتين والفقهاء والوعاظ، فالمكون المتعلق بالعلوم الاجتماعية في مناهج التعليم الديني ليس بالمستوى الذي يسمح أن يتمكن المفتي والفقيه من فهم الواقع فهما عميقا مثلما فهم الشرع فهما عميقا.
لذلك جاءت هذه المجلة لتكون منصة تمكن المجتهدين من العلماء والمشايخ والباحثين وطلاب العلم الشرعي من الإنتاج العلمي التجديدي من جانب، ومن الاطلاع على مدرسة جديدة في الاجتهاد الشرعي تجمع بين علوم فقه الشرع من جانب وعلوم فقه الواقع من جانب آخر.
لذلك نهيب بكل من لديه فكرة جديدة، أو رؤية منهجية جديدة لظواهر وقضايا موروثة، أن يشارك في هذه المجلة ببحث علمي يعبر فيه عن اجتهاداته، ويكون فرصة لزملائه وتلامذته أن يخبروا فكرا جديدا واجتهادا متجددا، يحقق حيوية هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.